سلايدرمقالات

دلائل الخيرات نموذج تعلق المغاربة بالجناب المحمدي

فضيلة الأستاذ عبد الله الوزاني

بسم الله الرحمن الرحيم

دلائل الخيرات

نموذج تعلق المغاربة بالجناب المحمدي

الحمد لله على نواله، وله الشكر على واسع أفضاله، وأفضل صلواته على النبي محمد وآله، وبعد،

[مقدمة في وجوب محبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وثوابها وفضلها]

قال الله تعالى (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها) الآية، فكفى بهذا حظا وتنبيها ودلالة وحجة على إلزام محبته صلى الله عليه وآله وسلم ووجوب فرضها وعظم خطرها واستحقاقه لها صلى الله عليه وآله وسلم.

إذ عاتب وقرَّع تعالى من كان مالُه وأهله وولده أحب إليه من الله ورسوله وأوعدهم بقوله تعالى (فتربصوا حتى يأتي الله بأمره) ثم فسقهم بتمام الآية وأعلمهم أنهم من ضل ولم يهده الله.

وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: “لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين”. وعن أنس أيضا عنه صلى الله عليه وآله وسلم: “ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار”.

وقد وعد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم مَن أحبه أجر عظيم ومقام منيف، فعن أنس رضي الله عنه أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: متى الساعة يا رسول الله؟ قال: ما أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة ولكني أحب الله ورسوله. قال: “أنت مع من أحببت”. وعن علي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخذ بيد حسن وحسين فقال: “من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة. وروي أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله لأنت أحب إلى من أهلي ومالي وإني لأذكرك فما أصبر حتى أجئ فأنظر إليك وإني ذكرت موتى وموتك فعرفت أنك إذا دخلت الجنة رُفعت مع النبين وإن دخلتها

لا أراك. فأنزل الله تعالى (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا) فدعا به فقرأها عليه.

ولا زال أهل المحبة يتنافسون فيها ويتسابقون إليها، فكان للصحابة الحظ الأوفر من تلك المحبة، كما ثبتت عنهم براهين صدقها فيما نُقل عنهم من آثار وأخبار، فعن عمرو بن العاص رضي الله عنه: ما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وعن عبدة بنت خالد بن معدان قالت: ما كان خالد يأوي إلى فراش إلا وهو يذكر من شوقه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإلى أصحابه من المهاجرين والأنصار يسميهم ويقول: هم أصلى وفصلي وإليهم يحن قلبي طال شوقي إليهم فعجل رب قبضي إليك حتى يغلبه النوم. وروي عن أبى بكر رضي الله عنه  أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: والذي بعثك بالحق لإسلامُ أبى طالب كان أقر لعيني من إسلامه – يعنى أباه أبا قحافة – وذلك أن إسلام أبى طالب كان أقر لعينك.

[تعلق المغاربة بالجناب المحمدي]

قد كان ولا يزال للمغاربة تعلق خاص بالجناب المحمدي، وذلك لأسباب عدة، منها تحقق مقامات الإيمان في قلوب عامتهم وخاصتهم وإخلاصهم في دينهم، ومنها بُعد شقتهم عن موطن نزول الوحي وإحساسهم بالبعد عن مقام  الروضة الشريفة الذي زاد في عمق الشوق إليه صلى الله عليه وآله وسلم وإلى القرب منه، ومنها تعلق المغاربة بآل البيت عليهم السلام الذين دخلوا المغرب منذ بداية تاريخ الإسلام، فأكرموهم وأنزلوهم أفضل المنازل واخلصوا لهم المحبة والتعظيم.

وقد بدا عظيم تعلقهم بالنبي عليه الصلاة والسلام في مشاهدَ كثيرة وأحوال عديدة، منها إحياؤهم ليلة المولد النبوي ، واشتغالهم بتصنيف مصنفات في شمائله صلى الله عليه وآله وسلم وخصائصه، ومن أهم ما هنالك نظمهم القصائد الرائقة في مدحه والثناء عليه، وكذلك تفننهم في صيغ صلوات وتسليمات عليه، حيث إن الصلاة عليه من أهم ما يترب به إلى الله ويجلب على العبد رضى مولاه وشفاعة نبيه عليه السلام.

[دلائل الخيرات]

يعتبر كتاب دلائل الخيرات لسيدي محمد بن سليمان الجزولي من أهم الكتب التي صنفت في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد اهتبل به المغاربة والمشارقة على حد سواء وتنافسوا في قراءته وشرحه ومحاذاته زخرفة كتابته واقتنائه حتى إنه لا يخلو بيت منه.

اشتهر كتاب”دلائل الخيرات” وانتشر في كل الأقطار والأمصار ويكاد لا يخلو منه بيت واتخذ منه كثير من الناس وردا يوميا يواظبون عليه ويجنون ثمار هذه المواظبة والإكثار من الصلاة على رسول الله في عاجل حياتهم الدنيا.

فالإمام الجزولي مؤلف دلائل الخيرات: هو أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمان بن أبي بكر سليمان الجزولي السملالي الحسني قيل إنه توفي عام 875 هـ. ودفن أوّل الأمر في أوفغال ثم نقل إلى مراكش ببلاد المغرب.

انتقل إلى مصر وتلقى على شيوخها بالجامع الأزهر وتتلمذ على من التقوا بأبي الحسن الشاذلي وبذلك عدّ من أعلام الشاذلية ومن رواد مدرستها الذين نذكر منهم المرسي والسكندري وعز الدين ابن عبد السلام والبوصيري والسيوطي وغيرهم من كبار العلماء.

للإمام الجزولي مؤلفات عديدة أشهرها “دلائل الخيرات”و”العجالة في القراءات”، و”حزب الفلاح”، و”حزب سبحانه الدائم” و”عقيدة” و”حزب الإبريز”، و”الوظيفة الربانية”، و”النصح التام”.

ولكتاب دلائل الخيرات شروح عديدة ذكرها وذكر أماكنها في المكتبات الأستاذ الدكتور عبد العزيز بن عبد الله في كتابه معلمة التصوف الاسلامي (الجزء الثاني الصفحة 84 وما بعدها) وقد قدّم الشيخ الجزولي لكتاب دلائل الخيرات بمقدمة أورد فيها على عادة المؤلفين القدامى الدافع لتأليف دلائل الخيرات وهو دافع لا يمكن أن يكون إلا خالصا لوجه الله الكريم وحبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعلقا به كما أورد في هذه المقدمة فصلا في فضل الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث استدل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأورد من الأحاديث ما صح لديه واطمأن قلبه إليه واعتقد أنه يمكن أن يكون مرغبا في المزيد من الصلاة والسلام عليه.

يقول الإمام الجزولي: الحمد لله الذي هدانا للإيمان والإسلام والصلاة والسلام على نبيه الذي استنقذنا به من عبادة الأوثان والأصنام وعلى آله وصحبه النجباء البررة الكرام.

وبعد فالغرض من هذا الكتاب ذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وفضائلها أذكرها محذوفة الأسانيد ليسهل حفظها على القارئ وهي من أهم المهمات لمن يريد القرب من رب الأرباب وسميته بكتاب “دلائل الخيرات وشوارق الأنوار في ذكر الصلاة على النبي المختار” ابتغاء لمرضاة الله تعالى ومحبة في رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم تسليما والله المسؤول أن يجعلنا لسنته من التابعين ولذاته الكاملة من المحبين فإنه على ذلك قدير لا إله غيره ولا خير إلا خيره وهو نعم المولى ونعم النصير ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فصل في فضل الصلاة على النبي …

ويمضي الإمام الجزولي في إيراد الأحاديث والآثار المحببة والمرغبة في الصلاة والسلام على رسول الله والواعدة بعظيم وجزيل الثواب في هذه الحياة الدنيا وفي الدار الآخرة وتتفاوت درجة صحة وثبوت الأحاديث والآثار ولكن الأكيد الذي لا شك فيه أن الأحاديث الصحيحة الواردة في الصحاح تتواتر رواياتها في وجوب الصلاة على رسول الله وأنها من أحب القربات والطاعات إلى الله وأنها من أفضل الأذكار والأوراد وأنها الدليل القاطع والبرهان الصادق على الحب الشديد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا شك أن المحبين لرسول صلى الله عليه وسلم موعودون من الله ورسوله بأن يكونوا في أعلى عليين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة إذ المرء يحشر مع من أحب. يورد الإمام الجزولي بعد ذلك أسماء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم المائتين وواحد…

ولكتاب دلائل الخيرات منزلة عظيمةٌ في نفوس المغاربة لا يتقدم عليها فيها غيرُه من الكتب، فعقدوا له مجالس قراءة في كل بقاع المغرب، وتنافسوا في حفظه، وخصوا له مواسم تجتمع فيها كل الطوائف والطرق والعامة والخاصة للتبرك به وختمِه ختمات عدة.

فيعد كتاب دلائل الخيرات من أفضل وأجل الكتب المؤلفة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا أدل على ذلك من القبول الذي كتبه الله له بين الناس مغربا ومشرقا، بحيث أكب الناس على قراءته في كل الأقطار وعكفوا على ترداده ومذاكرته في جميع القرى والأمصار.

ولله در القائل:

نور الدلائل في البرية مشرق—وروائح الأسرار منه تعبق

يا حسنه من جامع صلواته—آيات فتح بالهداية تخفق

أهل الصلاة على النبي قد أكثروا—في جمعها وتنافسوا وتأنقوا

لكن عناية ربنا حقا قضت—أن الجزولي شأوه لا يلحق

لا غرو أن يعلو الجميعَ لأنه—قطب الزمان وغوثه المتحقق

إن الدلائل نعمة أكرم بها—من نعمة حب الحبيب تحقق

فاعكف عليه ملازما إن شئت إن—ترقى المعالي والنفائس تسبق

وقد ذكروا أن قراءته من أعظم أسباب قضاء الحوائج وأن مما جربه غيرُ واحد، فصح أمن من قرأه أربعين مرة لقضاء الحوائج وتفريج الكروب قضى الله حاجته وفرج كربه.

وأن من بركاته أيضا فتح أبواب الخير والسعادة والغنى لمن أكثر من قراءته. ومن أعظم ذلك رؤيا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المنام، لمن داوم على قراءته وأكثر كما هو مجرب عند أهل الخير والصلاح.

ومن مظاهر أقبال المغاربة على دلائل الخيرات الذي هو صورة من صور تعلقهم بالحبيب الشفيع صلى الله عليه وآله وسلم اعتناء علمائهم بشرحه، فمن تلك الشروحات الهامة المفيدة:

الأنوار اللامعات في الكلام على دلائل الخيرات للعارف الفاسي رحمه الله.

مطالع المسرات بجلاء دلائل الخيرات للعلامة محمد المهدي بن أحمد الفاسي 1109 هـ وهو من أفضل الشروح على الإطلاق وعليه العمدة كما قال صاحب الكشف.

إتمام النعمة وسبيل الشفاعة والنجاة بكشف القناع عن ألفاظ دلائل الخيرات لأحمد الفجيجي.

الأزهار المنيرات في شرح دلائل الخيرات لمحمد بن محمد السالك المراكشي.

وغيرهم.

[ملتقى دلائل الخيرات بين الماضي والحاضر]

لا زال المغاربة يتبركون بدلائل الخيرات تبركهم باسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كل زمان ومكان، وقد اعتاد علماء فاس وأعيانها قديما أن يخرجوا في أيام الربيع بعد الحصاد أو قبله أحيانا في نزهة إلى ضواحي فاس فيجتمعوا على قراءة دلائل الخيرات والتبرك به والدعاء عقب ختماته.

ولما انقطعت هذه العادة الحميدة بينهم في الأزمنة المتأخرة عمدت مؤسسة مولاي عبد الله الشريف للدراسات والبحوث إلى إحياء تلك السنة وتوسيع النفع بها بين الناس.

فأقامت هذه السنة 1431 الملتقى السابع لها، بعد ست لقاءات دولية ناجحة موفقة ولله الحمد، تتخلها محاضرات علمية وينتقل المدعوون بعدها إلى ضيعة على عادة الأسلاف لقراءة دلائل الخيرات  ومدارسة كتب السيرة والتذكير بضرورة الالتفاف على ما يقوي التعلق بالجناب المحمدي، وقد عرفت اللقاءات السبعة كلها توافدا كبيرا من الناس وتزاحما على المشاركة في الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإسهام جلة علماء المغرب وغيرهم في إحياء لياليها وإسداء النصح لأهاليها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى