لوامع محمدية

-اللمعةُ 3- شمائله الخِلقية صلى الله عليه وسلم

فضيلة الأستاذ محمد التهامي الحراق

عطِّر اللهم مجالسنا بطيب ذكره وثنَاه، ومُنَّ علينا بسلوكِ سبيله وهُداه، وصلِّ وسلِّم وباركْ عليه وعلى آلهْ، صلاةً وسلاما نتخلَّصُ بهما من مِحنِ الوقت وأهوالِه

*    *     *

في إضاءتنا التاريخية للمعة اليوم، نواصل التعرف على بداياتِ الاحتفال بهذه المناسبة الغراء في المغرب.

قلنا في اللمعة السابقة أن أول من دعا لهذا الاحتفال هو قاضي سبتة العلامة أبو العبَاس العَزَفي؛ وقد وقفنا في الحلقة الماضيةِ على دواعي دعوتهِ ومقاصدِها. ومن أجل إشاعة الاحتفالِ بالمولد النبوي الشريف لِما فيه من فضائلَ ومزايا، أكملَ أبو القاسم العزفي كتابَ والدِهالدرُّ المنظم في مولد النبي المعظَّم، ثم بعثَ بنسخةٍ منه إلى الخليفةِ ما قبل الأخير في سلالة الموحدين عمرَ المرتضى، مشيراً عليه بإحياء هذهالسنة الحسنة“. أدركَ الخليفةُ الموحِّدي سرَّ الدعوةِ وما فيها من بليغِ الفضائل والفوائدِ، فصارَ يُحيي ليلة المولد بمراكش ويحتفل بها احتفالا. ويبدو أن الإنشادَ والسماعَ كانا حاضرين أيضا كمحورين رئيسَيْن في هذا الاحتفال، كما يوحي بذلككتاب المسموعاتالذي ألفه مؤرخ المرتضى أبو علي الحسن بن علي بن محمد بن عبد المالك الكْتامي الرهوني المعروف بابنِ القطَّان نزيلِ مراكش 661هـ. وهو كتاب ضَمَّنَه قصائدَ مختاراتٍ فيما يخصُّ المولدَ الكريم، وشهورَ رجبَ وشعبانَ ورمضان، وغيرَ ذلك. وهو كتاب مفقود. ومنذ هذه الفترة سيصبح الاحتفال بالمولد النبوي دأبَ المغاربة و ديدنَهم، بل سيصبحُ وجها من أوجه هويَّتهِمُ الإسلامية، ومظهراً من مظاهرِ تعلقهم بحب المصطفى صلى الله عليه وسلم وبرسالته وسنته.        

*    *     *

إن المرء ليقفُ عاجزاً عن تمثلِ الكمالِ المحمَّدي، حائراً في شمائله الخِلقية والخُلُقية؛ إذ لا أحدَ يُمكنُ أن يصفَه على الوجه الأمثل، والنّعتِ الأكمل مثل بارئهِ ومرسِلِهِ سبحانه وتعالى. وقد أثنى عليه فقال تعالى فيه: (وَإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ). من هنا قصورُ كلِّ مادحٍ؛ عن وصفِ جمالهِ وكمالهِ، ألم يعلن ذلك ببلاغةٍ سلطانُ العاشقين عمرُ ابنُ الفارض في قوله:

أرى كل مدحٍ في النبيِّ مُقصِّراَ  وإن بالغَ المُثْنِي عليهِ وأكثَرا

إذا اللهُ أثنى بالذي هوَ أهلُهُ    عليهِ فما مقدارُ ما يَمْدَحُ الورى

و هو المعنى ذاتهُ الذي أكده ذو الوزارتين الشاعرُ الكبير لسانُ الدين ابنُ الخطيب في قوله:

أيرومُ مخلوقٌ ثناءك بعدماأثنى على أخلاقكَ الخلاقُ

كما نجد المعنى عينَهُ في وتريات الإمامِ البَغْدَادي حين ينظِمُ قائلا:

أَيُمدَحُ من أثنى الإلهُ بنفسهعليهِ فكيفَ المدحُ مِنْ بعدُ يُنشأ

و هذا غيض من فيض. بل ها هو أميرُ البلغاء سيدناَ عليٌّ كرمَ اللهُ وجههُ يروم وصف بهاء المصطفىَ صلّى الله عليه وسلّم فيقولُ: “لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ صلّى الله عليه وسلّم”.

هو النبــــي المعظـــــمُ       المجتبــــى نعــمَ الإِمــامْ

الأدعــــــجُ الـــمكـــرمُ       من خص من بين الأنامْ

من وجهـــه المتمَّــمُ       كــــدارة علـى التمــــامْ


    
فإذا ألقيتَ نظرةً وتأمّلت وجهه الشريفَ التبس عليك الأمر، أتنظرُ إلى وجه بشرٍ أم أنّه القمرُ في ليلة البدر! فقد روى التّرمذي بسند صحيح عَنْ جَابرِ بْنِ سَمُرَةَ رضيَ اللهُ عنه قَالَ: “رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم فِي لَيْلَةٍ إِضْحِيَانَ فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيه وَإِلَى القَمَرِ، فَإِذَا هُوَ عِنْدِي أَحْسَنُ مِنَ القَمَرِ”. وروى التّرمذي أيضا بسند صحيح أنَّ رَجُلاً سَأَلَ البَرَاءَ رَضِي اللهُ عنه: أَكَانَ وَجْهُه مِثْلَ السَّيْفِ؟ قَالَ: لاَ، مِثْلَ القَمَرِ. وقل الكلامَ ذاتَهُ في شَعرِه وقَدِّهِ وريحهِ وقَوامهِ، فضلاً عن كمال خُلُقِهِ ومعناه. فصل اللهم عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.

*    *     *

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى