لوامع محمدية

-اللمعة 4- معجزاته صلى الله عليه وسلم

فضيلة الأستاذ محمد التهامي الحراق

اللهم صل على سيدنا ومولانا محمد النبي الأميِّ وعلى آله وصحبِه وسلِّم

*    *     *

      كنا في إضاءتنا التاريخية للمعة السابقة، أتممنا التعرف على بدايات الاحتفال بهذه المناسبة الغراء في المغرب. واليوم سنحاول أن نضيءَ جوانبَ هامةً من امتدادِ هذا الاحتفال مع المرينيين. لقد امتد الاحتفالُ بالمولد النبوي في المغرب على عهد المرينيين، و تطورَ وازدهرَ حتى أصبحَ عيدا رسميا مُعَمَّما في جميعِ جهاتِ المغربِ مع يوسف بن يعقوب بن عبد الحق المريني أواخرَ صفر عام 691هـ. وفي أيام أبي سعيدٍ الأول بنِ يوسف أُضيفَ إلى الاحتفالِ بليلة المولدِ الاحتفالُ بسابعه. وفي أيامِ هذا السلطانِ تبنت الدولةُ القيامَ بنفقاتِ الاحتفالِ بليلة المولدِ في سائرِ جهات المملكة. وقد اتَّخذت هذه الاحتفالاتُ طابعَها الاحتفائيَّ الباذخَ والبهيَّ مع أبي الحسنِ وأبنائِه، حيث دأب أبو الحسنِ المريني على إحياءِ ليلة المولد سَفراً وحضراً، إذ يقتني لها ألوانَ المطاعِم والحلوياتِ والبخورِ والطيبِ؛ مع إظهارِ مظاهرِ الزينةِ والتأنُّقِ في إعدادِ المجالسِ كلٌّ حسبَ مرتبتِهِ وطبقته. ويأخذُ الجميعُ من لباسه أبهاهُ، ومن ريحِهِ أطيبَهُ. ويُقدَّمُ في هذه الليلةِ ما طابَ ولذَّ مِنَ الفواكهِ الطريَّةِ واليابسةِ والحلوياتِ وغيرِها، وقد يقعُ الإطعامُ بعد العِشاء الآخِرَة. وكانت إذا «استوتِ المجالسُ وسادَ الصمتُ قام قارئ العشرِ فرتَّلَ حِصةً منَ القرآن الكريم، ويتلوه عميدُ المُنشدينَ ويؤدي بعضَ نوبتِهِ، تم يأتي دورُ قصائد المديحِ والتهاني بليلة المولد الكريم».

*    *     *

من أهمِّ ما يجري في كلامِ مُداحِ المصطفى صلى اللهُ عليه وسلم بمناسبةِ المولدِ الشريف، إنشادُهُم للأشعارِ التي تستعرض معجزاتِه صلى الله عليه وسلم. ونعني بها تلك النصوصَ التي تتناول الآيات المُبهِرات وخوارقَ العادات التي أجراها اللهُ للنبي أو على يديه إثباتا لنبوته وتعضيدا لدعوته، والتي تقومُ شاهدَ صدقٍ على بعثته، وعلى أمانته في تبليغ الوحي وتأدية الرسالة، كما تقومُ بَيِّنةً دامغة  تُفحم وتُعجز الجاحدين، وتزيد المومنين ثباتا ويقينا. و من ثم فالكلامُ الواردُ هنا في المعجزاتِ يستعرضُ ما أُكرِمَ به الرسول من معجزاتٍ بعد البعثةِ، والتي فصَّلت فيها كتبُ السيرة والشمائل. وهذه المعجزاتُ عديدةٍ تناولتها نصوصٌ شعريةٌ غزيرةٌ سائرةٌ بين المنشدِيَن المغاربة، سواء منها النصوصُ التي استفاضت في بيانِ معجزة معينة، أو تلك التي جَمَعتْ في أبياتٍ معدودة ومحدودة بين أكثرَ من معجزة. هكذا نجد مثلاً أن الإمام البوصيري، أشارَ إلى جل المعجزاتِ في مُطَوَّلتي البردة والهمزية، بدءا بمعجزة القرآن الكريم، إلى معجزةِ الإسراء والمعراج،  فمعجزةِ استجابة دعوته لرفع ما ألمَّ بالمسلمين من قحط وأصابهم من جدب وسَنَةٍ شهباء، إلى غيرها من المعجزاتِ كنَبْعِ الماء من أصابعه الشريفة، وإثمارِ النخل الذي غرسه بيده لسلمان من عامه، وتسبيحِ الحصى في يده الكريمة، والضرعِ الذي ذرَّ بوافر اللبنِ بلمسة من يدهِ، والجذْعِ الذي حنَّ إليهِ، وإبرائه المرضى بلمسةٍ من راحتِه الشريفة، وردِّهِ لعينِ قتَادةَ بنِ النُّعمان بعد عماها، فضلاً عن معجزاتٍ شهيرةٍ أخرى كمعجزةِ الحمَامِ والعنكبوتِ التي وقى بها الحقُّ سبحانه نبيَّه وصاحبَه الصديقَ من المشركين، حينَ خرجوا في إثرهمَا وهما في طريقهما للهجرة نحو المدينة. كلُّ هذه المعجزاتِ تُستَحضَرُ تعظيماً لقدرِ المصطفى في النفوس، وترسيخاً لمحبته في الأفئدة والقلوب. فصلِّ اللهم عليه بأفضل الصلاة وأزكى التسليم.

*    *     *

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى