لوامع محمدية

-الحلقة 7- بشائر ولادته صلى الله عليه وسلم

فضيلة الأستاذ محمد التهامي الحراق

اللهم صل على هذا النبي الكريم، صاحبِ الخُلق العظيم، صلاةً لا نهاية لَهَا كما لا نهايةَ لكَمالِكَ وعدِّ كمالِهْ“.

*    *     *

في هذه اللمعة، نُواصلُ الإضاءةَ التاريخيةَ لمباهجِ الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في العهدِ السعدي، وذلك بمواصلةِ الإصغاءِ النبيهِ إلى مؤرخ الدولةِ عبد العزيز الفشتالي وهو يصفُ ببلاغةٍ وجهاً من أوجه هذه الاحتفالاتِ التي حضرها على عهد السلطان أحمد المنصور السعدي.  يقول في كتابه مناهل الصفا في أخبار الملوك الشرفا“: حتى إذا كان ليلةُ الميلادِ الكريم، وقد أُخِذَتِ الأُهبةُ، وتمَّ الاستعدادُ، وتناهى الاحتفالُ إلى أقصى مبالغِ الكمالِ، وتلاحقتِ الوفودُ من مشايخِ الذكر والإنشاد، أُحْضِرتِ الآلةُ الملوكيةُ، والأفلاكُ المُؤلَّفَةُ من الأخشابِ لحَمْلِ جُذوعِها، تحمِلُهَا أَسَارِي الدولةِ وأولو الظَّرَفِ من المُحترفِين بحملِ خدُُورِ العَرَائِسِ عندَ الزِّفافِ، يتقدمُهُمْ عَرِيفُ الأشغالِ بالبابِ العالي، مُصْلِحاً لشأنِ أفلاكِها، ومُعدِّلاً لسَيْرِهَا، واقترَابِ مَشايخِ الوَزْعَةِ وخُدَّام الشُّرطةِ ومشايخِ البلد، وقد انتظمَ عالَمُ النِّظَارةِ سِمَاطَيْنِِ بِحافتَي الطريقِ من أبوابِ الخلافةِ العَلِيَّةِ، إلى حيثُ مثوى الشموعِ من منزلِ أولي صِنَاعتِها وخِدمتِها. قد جلَّلُوا جَنْبتَي الطريقِ، ورَكبُوا الأسواَر والأسْطاحَ، وبرزَ رباتُ الحِجَالِ مِن أعلى المنازِهِ والصُّروحِ، فَضَخُمَتِ الجُمْلَةُ، وعظُمَ الزِّفَافُ، وبَرزتْ جذوعُ الشموسِ كالعذارَى، يرفُلْنَ في حالِ الحُسنِ والضَّخَامةِ والجلال (…)، يَقْفُوا بعضُهَا بعضاً في عددٍ كثيرٍ كالنخيلِ، فارتفعتْ أصواتُ الآلةِ، وقُرِعَتِ الطبولُ، وضَجَّ الناسُ بالتهليلِ والتكبيرِ والصلاةِ على النبي الكريم البشير النذير“.

*    *     *

  إن مِمَّا يُبْرِزُ عظمةَ نبينا صلى الله عله وسلم، وصِدقَ نبوتهِ الخاتِمةِ؛ بل وأفضليتَهُ على العالمينَ، أن الأنبياءَ رضوانُ اللهِ عليهم من قبلهِ قدْ بشّرُوا ببعثتهِ، فكانت رسالتُهُ صلى الله عليه وسلم مُصدّقةً لما قبلَها ومُهَيمِنَةً عليه. هكذا نجدُ في كلامِ المحبينَ ما يُشيرُ إلى هذه البشارَات السابقةِ، كما هو شأنُ الوتريات البغداديةِ والتي نقرأ فيها:

   بِمَبْعَثِـــه كُلُّ الـنبيئين بـــشرَّتْ       ولا مُرسَلٌ إلاَّ بـــه كــان يَـــخْطُبُ

    بتوراة موسى نَعتُـه وصفـــاتُه       وإنجيلُ عيسى في المدائح يُطْنِبُ

ومعلومأنهُعليهالصلاةوالسلامدعوةُإبراهيموبشارةُعيسىعليهماالسلام. فقد قال صلى الله عليه وسلم مجيبا عمن سألهُ عن حقيقة أمره: إن حقيقةَ أمري أنِّي دَعْوَةُ أبي إبراهيم، وبُشْرَى أخي عيسى ابنِ مريم“. نعم هو دعوةُ إبراهيم وإسماعيل أن يبعث الله في القومِ من ذريتهما رسولا يتلو عليهمُ آياتِه، قال تعالى: “رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمُ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.  دعوةٌ صادقةٌ تَوَجَّهَا بها إلى العزيزِ الحكيم وهما يرفعانِ القواعد من البيت الحرام، ويطهرانِهِ للطائفين والعاكفين والركع السجود، ليبعث في أهلِ ديار هذا البيتِ وهم قريش، في أحسنِ بطونها وهم بنو هاشم، رسولاً يَهديهم ويزكيهم.

   كما أن الحق سبحانهُ أخذ مَوْثِقاً جليلاً كان هو شاهدُه وأشهدَ عليه رُسلَه، موثقاً على كل رسول، أنه مهما أتاه من كتابٍ وحكمة، ثم جاء رسول بعدَهُ مصدقا لما مَعهُ، أن يؤمِنَ به وينصرَه، ويتَّبِعَ دينه.  فكانَ من تمامِ الوفاءِ بهذا الميثاقِ أن بشَّرَ سيدُنا عيسى ابنُ مريم عليه السلام  قومَهُ ببعثةِ رسول آخرِ الزمان. قال تعالى: ” وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ، وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَاتِي مِن بَعْدِيَ اسْمُهُ أَحْمَد، فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ“. فكان أن بعث الله سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم رسولا إلى الناس أجمعين، خاتماً للنبيئين، وإماماً للمرسَلين، وهدايةً للعالمين. صلى الله عليه وعلى آله أزكى صلاة و وأعطرَ تسليم.

*    *     *

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى