لوامع محمدية

-اللمعة 8- شرف الحمل به صلى الله عليه وسلم

فضيلة الأستاذ محمد التهامي الحراق

    اللهم صل على سيدنا ومولانا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلِّم

*    *     *

   في الإضاءةِ التاريخيةِ لهذه اللمعة، نَستأنِفُ نُزهتَنَا مع الأديب والمؤرخ عبد العزيز الفشتالي، والذي بلغََ الذروةَ وهو يصف المراسم الدينية والفنية للاحتفال بليلةِ المولدِ في عصره في ظل الدولة السعدية، حيث يكتب في رقَّةِ تصويرٍ وبلاغةِ نقلٍ، يقولُ: «فإذا استوتِ الورودُ، واصطفَّتِ الصفوفُ، وتقاربتِ الأجناسُ، وتآلفتِ الأشكالُ، ورضِيَتْ مقاعدَهَا السُّراةُ(…) تقدَّمَ أهلُ الذِّكْرِ والإنشادِ يقدُمُهُمْ مشائخُهم من بعدِ أن يفرَغَ الواعظُ من قراءةِ ما يناسبُ المقامَ من الاستفتاحِ بفضائلِ النبي صلى الله عليه وسلم، وسَردِ معجزاتِهِ والثناءِ على شريفِ مقامِهِ وعظيمِ جلالِهِ، واندفَعَ القولُ لترجيعِ الأصواتِ بمنظوماتٍ على أساليبَ مَخصوصةٍ في أماديحِ النبيِّ الكريم صلى الله عليه وسلم، يَخصُّهَا العُرفُ باسمالمَوْلِدياتِ نسبةً إلى المولدِ النبوي الكريم، قد لحَّنوها بألحانٍ تَخْلُبُ النفوسَ والأرواحْ، وترِقُّ لها الطباعُ، وتبعثُ الانشراحَ في الصدور والأشباحْ، وتَقْشَعِرُّ لها جلودُ الذين يخشونَ ربَّهُم، يتفنَّنُونَ في ألحانِها على مذهبِ تفنُّنِهَا في النَّظم، فإذا أخذتِ النفوسُ حظَّها من الاستمتاع بألحان المولدياتِ الكريمَة، تقدمَتْ أهلُ الذكر المُزَمْزِمُون بالرقيقِ من كلامِ الشيخ أبي الحسن الششتَري رضي الله عنهُ، وكلام غيره من المتصوفةِ أهلِ الرقائق. كل ذلك تتخلّلُهُ نوباتُ المنشدين للبَيْتينْ من نفيسِ الشعرِ يتحيَّنُونَ به المناسبةَ بينها وبينَ ما ُيتلى من الكلامِ عند الإنشاد».

*    *     *

فهنيئـــا به لآمنه الــفضل الذي       شـُـــرِّفت بـــــــــــــه حـــــــــواءُ

من لحــواء أنهـــا حــملت أحــ       ــمد أو أنهــــا بـــــــــه نفســــاءُ

يوم نالت بوضعــه ابنـــةُ وهب       من فخار ما لـــم تنلــه النســــاءُ

وأتـــت قومهـــا بأفضــل ممَّـــا       حـــــملت قبـلُ مريــــمُ الـــعذراء

إنها آمنةُ بنتُ وهبٍ بنِ عبدِ منافٍ بنِ زُهرةَ بنِ كلاب، سيدِ بني زُهرةَ فضلاً وشرفا. المرأة التي حازت شرف الحمل بسيد العالمين وخاتمِ المرسلين سيدِنا وحبيبنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، إنها آمنةُ االطاهرةُ الزُّهرية كما يصفها صاحبُ ربيع القلوب في مولد النبي المحبوب. ذلك أنها نالت شرفَ الاصطفاء لحمل سيد الخلق وأفضلِ الأنبياء. رحمٌ طاهرة خيِّرةٌ. فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  لَمْ يَلْتَقِ أَبَوَايَ فِي سِفَاحٍ، لَمْ يَزَلِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يُنَقِّلُنِي مِنْ أَصْلابٍ طَيِّبَةٍ إِلَى أَرْحَامٍ طَاهِرَةٍ ، صَافِيًا ، مُهَذَّبًا ، لا تَتَشَعَّبُ شُعْبَتَانِ إِلا كُنْتُ فِي خَيْرِهِماَ.

وترويكتبُالسيَرِوالأخبارمثلَسيرةِابنِاسحاقٍالتيرواهاابنُهشامٍ،والبدايةُ والنهايةلان كثيرٍ وغيِهِما، عن ابن عباس قال: “لما انطلقَ عبدُ المطلب بابنهِ عبد الله ليزوجه مَرَّ به على كاهنةٍ من أهلِ تِبالةَ متهوِّدَةً قد قرأتِ الكتب، يُقال لها فاطمةُ بنتُ مرٍّ الخَثْعَمِيَّة، فرأتْ نورَ النبوةِ في وجهِ عبد الله فقالت: يا فتى هل لكَ أن تقعَ علي الآن وأُعطِيكَ مائةَ من الإبل؟ فقال عبدُ الله:

               أما الحرامُ فالممَاتُ دونَهُ * والحِلُّ لا حلَّ فأستبينُهُ

             فكيفَ بالأمرِ الذي تبغينَهُ * يحمي الكريمُ عِرْضَه ودينَه

ثم مضى مع أبيهِ فزوجَّهُ آمنةَ بِنتَ وهبٍ، فأقام عندها ثلاثا. ثم إن نفسَه دعتهُ إلى ما دعته إليه الكاهِنَةُ فأتاها فقالت: ما صنعتَ بعدي؟ فأخبرها، فقالت: واللهِ ما أنا بصاحبةِ رِيبَةٍ، ولكني رأيتُ في وجهكَ نورا فأردتُ أن يكون فيّ، وأبى الله إلا أن يجعلَهُ حيث أراد“. فصلِّ اللهم على أحمدَ الهادي المجتبَى، الكريمِ الأصل  أما وأباَ، وعلى آله الكرامِ والصُّحَبَا.

*    *     *

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى